(قبس 21 )كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء-درس من عفاف النبي يوسف ع
بسم الله الرحمن الرحيم
(كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء)([1])
[يوسف: 24]
درس من عفاف النبي يوسف ×:
قصة النبي الكريم يوسف الصدّيق × معروفة لديكم بما تناوله القرآن الكريم ومنها قوله تعالى (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (يوسف24) تعقيباً على إنقاذه من مكائد زوجة عزيز مصر، والفحشاء يُراد بها جريمة الزنا، أما السوء فقيل أن المراد به الهم بالمعصية والعزم عليها قبل فعلها.
وجاء هذا الصرف استجابة لدعائه الذي ذُكِرَ في موضوع آخر (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (يوسف33-34).
(لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء):
والتعبير الاعتيادي عن هذه الحالة أن يقال (لنصرفه عن السوءِ والفحشاءِ) لأن ظروف المعصية والجريمة كانت موجودة وليست مصروفة ولكن الله تعالى صرفه عن هذه المعصية وعصمه من الوقوع فيها، وهذه العصمة من التسديدات الالهية والنعم العظيمة.
لكن القرآن الكريم وصف حالاً أسمى من هذه فقال تعالى (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء) أي صرفنا عنه أجواء المعصية ومقدماتها وموجباتها فكأنه لم يتعرض لظروف معصية أصلاً حتى يجتنبها، لأنه يعيش في عالم آخر وفي أجواء اخرى غير عالم المعصية هذا الذي يرى في الظاهر وإنما وصفناها بأنها حالة أسمى لأنها ليست فيها تعرض للمعصية أصلاً ولا فيها تكلّف اجتنابها وصرفه عنها حيث لا يجد الانسان فيها شيئاً سيئاً حتى يجتنبه.
في تفسير ما همّ به يوسف × هو الميل الغريزي، وردّه:
وهذا الالغاء التام للتأثر بالحدث كأنه ليس ممكناً وغير قابل للتصور خصوصاً في مثل الحالة التي تعرض لها النبي يوسف × (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لك) (يوسف23) ولذا لم يجد بعض المفسرين ممن يعتقد بعصمة النبي يوسف × ضيراً من تفسير الهم بقوله تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) (يوسف24) بالميل النفسي الغريزي الطبيعي([2]) لمن يتعرض لمثل هذه المواقف أي أن غريزته اشتهت وانجذبت باعتبار أن الأنبياء بشر([3]) لهم غرائزهم وشهواتهم وميولهم فتنجذب نفسياً طبيعياً ولا إرادياً الى مثيرات الغريزة كانجذاب الجائع الى الطعام تلقائياً، ولكنه × حبس نفسه وامتنع ولم يرتقِ ميله النفسي الى مستوى العزم والتوجه الى الفعل فضلاً عن القيام بالفعل نفسه لما رآه من برهان ربه كما في الآية الشريفة، وتفسير الهّم بهذا المقدار لاينافي العصمة.
لكن هذا التفسير غير صحيح، لوجوه:
- 1- لأن الهم لا يطلق على مجرد الميل النفسي الطبيعي بل على قصد الفعل والعزم عليه وقد يشترط فيه ظهور هذا العزم من خلال الإتيان بشيء مما يكشف عنه كمن يهمّ بالضرب فيتوجه الى الطرف الآخر ويتأهب للفعل وهذه كلها لا يمكن نسبتها الى النبي الكريم يوسف × كما اقروا في كلماتهم السابقة قال في الميزان ((الهم هو القصد الى الفعل مع مقارنته لبعض الأعمال الكاشفة عن ذلك من حركة الى الفعل المراد أو شروع في بعض مقدماته كمن يريد ضرب رجل فيقوم اليه وأما مجرد ميل الطبع ومنازعة القوة الشهوانية فليس يسمى هماً البتة والهم بمعناه اللغوي مذموم لا ينبغي صدوره من نبي كريم، والطبع وإن كان غير مذموم لخروجه عن تحت التكليف لكنه لا يسمى هماً)) ، فلا بد ان تكون المعاني التي ذكروها للهم هنا من باب التجوّز كما اعترف الطبرسي في مجمع البيان لتنزيه النبي يوسف × عما لا يليق بساحة عصمته.
وبتعبير آخر ان تفسير الهم بالميل الطبيعي وهو معنى مغاير لما فسرّوا به همها خلاف الظاهر ولا يصار اليه الا بدليل.
- 2- إن الهم –بأي معنى من المعاني- لم يصدر من النبي يوسف × أصلاً حتى نجتهد في تفسيره بما يناسب عصمة الانبياء، لانه رأى برهان ربّه فلم يهمّ لكن جواب لولا تقدم عليها فيوجد تقديم وتأخير في الآية، نظير قوله تعالى (إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا) (القصص10) .
وقد أشكل علماء النحو على هذا الوجه لأنهم يمنعون من تقدم جزاء لولا عليها قياساً على إن الشرطية لانها من ادوات الشرط، وهذا الالتزام المتزمت بقواعد النحو التي استنبطوها اوقعهم في هذا التقصير مضافا الى تشبث البعض في الروايات المكذوبة من اسرائيليات وغيرها، لكن القران الكريم حاكم على قواعد اللغة العربية لانه مصدرها ومرشدها وليس العكس، خصوصا وانه قد وردت رواية عن الإمام الرضا × تفسّر الآية بهذا المعنى رواها الشيخ الصدوق في العيون وفيها (فقال له المأمون: يا بن رسول الله اليس من قولك: ان الانبياء معصومون، قال: بلى، قال: فاخبرني عن قول الله تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) فقال الرضا ×: لقد همّت به ولولا ان رأى برهان ربه لهمََّ بها لكنه كان معصوماً، والمعصوم لا يهمّ بذنب ولا يأتيه)([4]).
أقول: والشاهد على ان الهم الثاني لم يحصل([5]) وانه جواب لولا:
- أ- الاتيان بالهمين منفصلين ليكون الثاني وحده جواب لولا ، ولو حصل الهم من يوسف لما احتاج الى التفصيل بينهما، ونكتة تقديم الجزاء هي ما قلناه من تصوير الحالة بان مقتضي الهم تام ومكتمل لولا لطف الله تعالى مع ما في التعبير من حلاوة البيان لمجاورة الهمّين.
- ب- ان (هّم بها) اذا لم تكن جواب لولا بقيت بلا جواب، واذا قيل ان الجواب مقدّر يكشف عنه ما تقدّم قلنا ان التقدير خلاف الاصل وان تقدير الجواب هكذا يؤدي الى تناقض لان(هّم بها) السابقة تثبت الهم وتقديرها في جواب لولا ينفيه. لذا فمحاولة السيد الطباطبائي + وغيره المحافظة على معنى نفي الهم عن الصديق يوسف × مع المحافظة على هذه القاعدة النحوية بأن يُقال أن جواب لولا متأخر عنها لكنه محذوف لدلالة قوله السابق (وهمََّ بها) عليها فتكون الفقرة السابقة (وهمّ بها) ((ليس جزاء لها بل هو مقسم([6]) به بالعطف على مدخول لام القسم في الجملة السابقة اعني قوله (ولقد همت به) وهو في معنى الجزاء استغنى به عن ذكر الجزاء فهو كقولنا ((والله لأضربنه إن يضربني، والمعنى: والله إن يضربني أضربه))، فلولا ما رآه من البرهان لكان الواقع هو الهم والاقتراب دون الارتكاب والاقتراف))([7]). محل نظر، مضافا الى ان فيه إقراراً بحصول الهم من يوسف بأي معنى كان والمفروض نفيه.
- 3- وينسجم ما ذكرناه من فهم الآية على انها تقديم وتأخير مع ما قدمناه من تفسير الآية فإنه حتى الميل النفسي بالمقدار الطبيعي الغريزي لم يحصل لا لنقص بايولوجي أو سايكولوجي أو فسيولوجي في جسمه وإنما لأمرين على الأقل:
- أ- لأنه كان والهاً بربه مستغرقاً بحبه ولم يكن يرى غيره تبارك وتعالى لا المرأة أمامه ولا غيرها فذوبان النبي يوسف في عشق ربه وفناءه فيه لا يقارن بانجذاب النسوة الى جمال يوسف حتى ذهلن عن السكين وقطع ايديهن، فيوسف اولى بالذهول عن المرأة وغيرها بحيث أنساه ولهه ((الاسباب كلها حتى أنساه نفسه فلم يقل: إني أعوذ منك بالله أو ما يؤدي معناه، إنما قال (مَعَاذَ اللّهِ) وكم من الفرق بين قوله هذا وبين قول مريم للروح لما تمثل لها بشراً سوياً (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً) (مريم18))) ([8]).
وقد ((استغرق في حب ربه واخلص وصفى ذلك نفسه فلم يترك لشيء في قلبه محلاً غير حبيبه فهو في خلوة مع ربه وحضرة منه يشاهد فيها جماله وجلاله وقد طارت الاسباب الكونية على مالها من ظاهر التأثير من نظره))([9]).
- ب- إن الغرائز والشهوات يستثيرها تزيين الشيطان –وهذه هي وظيفته- وعندما تُسلَبْ قدرة الشيطان على التزيين فإن هذه الشهوات تفقد سبباً رئيسياً لإثارتها مع وجودها في النفس الانسانية، وقد اعترف الشيطان بأنه لا سبيل له على المخلصين وليست له القدرة على إغوائهم فقد حكى الله تبارك وتعالى قوله (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (ص82-83) وقد قال الله تعالى في الآية محل البحث عن النبي يوسف × (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (يوسف24) فهو من مأمن من تزيين ابليس وشياطينه، ولا تتحرك غريزته وشهوته نحو الحرام لعدم وجود التزيين.
مضافا الى وجود الصوارف عنها – وهو برهان ربه – كما ان الجائع لا يشتهي الطعام عند وجود صوارف كالخوف والقلق والانشغال بمن يحب ونحو ذلك، فالغرائز فيها مقتضي التحرك نحو ما يلبي شهوتها الا أن ذلك مشروط بوجود المقتضي وهو التزيين وبعدم وجود الصارف وكلا الشرطين مفقودان هنا.
في كيفية الحصانة من ضغط الشهوات والمغريات:
أما كيفية حصول هذه الحصانة من ضغط الشهوات والمغريات وتحرره من أسرها والسقوط في هاويتها وعدم تأثره بمثيراتها أصلاً فبالالتفات الى امور صرّح بها الصديق يوسف × (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (يوسف23)، وقد كانت مكتملة عنده لأنه نبي معصوم ولذا ورد في الحديث الشريف (إن برهان ربه كانت النبوّة)([10]).
- أ- والاستعاذة به واللجوء الى حصنه المنيع فالإنسان بمفرده عاجز عن تجاوز الامتحانات السهلة فضلاً عن الصعبة لكنه يستمد التسديد والمعونة والعصمة من الله تالى (لا حول ولا قوة الا بالله). وفي دعاء الصباح لامير المؤمنين × (وَاِنْ خَذَلَني نَصْرُكَ عِنْدَ مُحارَبَةِ النَّفْسِ وَالشَّيْطانِ فَقَــدْ وَكَلَنــي خِذْلانُــكَ اِلــى حَيْــثُ النَّصَبُ وَالْحِرْمانُ).
- ب- يقينه أنه مربوب أي مملوك مدبر من قبل الله سبحانه لا يملك لنفسه شيئا الا ما يريده ربه منه ((فلم يقل: لا أفعل ما تأمرونني به ولم يقل: لا أرتكب كذا، ولم يقل: أعوذ بالله منك وما شابه ذلك حذرا من دعوى الحول والقوة واشفاقا من وسمة الشرك والجهالة)([11]).
- ت- الالتفات الى نعم الله العظيمة التي لا تُعد ولا تُحصى ورعايته وتربيته الرحيمة المستمرة (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) (يوسف23) منذ أن ولد وعاش في كنف أبيه النبي يعقوب × وجعله من ذرية إبراهيم وإسحاق ونجاته من كيد إخوته الباغين الحاسدين ومن الجب ونقله الى مصر وتمكينه في بيت عزيز مصر وآتاه الله العلم والحكمة وغيرها مما لا يُعد ولا يُحصى ((فكان × مملوء الحس مستغرق النفس في مشاهدة الطاف ربه الخفية يرى نفسه تحت ولاية الله محبوراً بصنائعه الجميلة لا يرد الا على خير، ولا يواجه الا جميلا))([12]).
- ث- استحضار سوء عاقبة مرتكب المعصية في الدنيا والآخرة (إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)، وفي هذا الفعل ظلم لربه وظلم لنفسه وظلم لعزيز مصر الذي اكرمه.
في معنى برهان ربّه:
فهذه الامور التي كانت حاضرة في وجدان النبي يوسف × وجلية في قلبه الطاهر هي برهان ربه الذي أشرق في نفسه بكل وضوح وجلاء –والبرهان من َبرِه يَبرَه إذا ابيضّ دون مخالطة أي كدورة فأطلق على كل دليل محكم قوي يدل بوضوح على المطلوب- فلم تتطلع نفسه الى المعصية ولم تمل اليها فضلاً عن الوقوع بها (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) فلولا أنه كان واجداً لبرهان ربه لصدر منه الهمّ بالمعصية والميل اليها باعتبار الظروف القاهرة في تلك الحال، فهنا تقدم جواب لولا على شرطها لنكتة مجاورة التعبير بالهم او للإشارة الى ان ظروف الوقوع في المعصية قد اكتملت بقوة، وتقديرها لولا انه رأى برهان ربه لهم بها، ولكنه × كان يعتقد أنه في محضر ربه في أعلى درجات اليقين فلم يهمّ أصلاً، وقد تقدمت الرواية عن الامام الرضا × في هذا المعنى.
فمع هذا الحضور الجليّ اليقيني الذي عبّر عن مثله امير المؤمنين× بقوله (ما رأيت شيئاً إلاّ ورأيت الله قبله وبعده ومعه وفيه)([13]) كيف يتصور هم يوسف بأي معنى للهم حتى النزوع الغريزي الطبيعي لأنه يحتاج الى ظروف طبيعية ليتوجه ولعدم وجود موانع وصوارف.
هل يصل غير المعصوم الى الحصانة اليوسفية؟
والسؤال هل يتمكن غير المعصوم من الوصول الى هذه الدرجة من الحصانة والعناية الالهية التي احاطت النبي يوسف ×، والجواب: نعم بالتأكيد من خلال الالتفات الى الامور المتقدمة، قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) (الأعراف201) فالان عرفنا ما معنى (تذكروا) اي التفتوا الى هذه الامور التي ذكرها الله تعالى ليوسف × وهذا هو مضمون البرهان الذي راه من ربه، قال تعالى مبيناً انفتاح الفرصة للجميع (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) (النحل99). فالمؤمن المخلص يتذكر ربَّه المنعم عليه دائماً ويعيش في حضرته المتعالية ويعلم العاقبة السيئة لمن يبتعد عنه تبارك وتعالى، وحينئذٍ يدركه هذا البرهان ويعينه عند التعرّض للامتحانات وانما يتحصل ذلك البرهان بالازدياد بالطاعات التي تنفعه في لحظات الامتحان الصعبة، كمن يدّخر المال ليوم فقره وفاقته، قال تعالى {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}الأنفال29.
والتجربة شاهدة على ذلك حيث يحكي البعض عن تعرضه لمثل هذه الاغراءات والمكائد لكنه لا يجد في نفسه أي حركة في اتجاهها أو أي (همّ) لفعلها لا لنقص في قواه البدنية والشهوية وإنما لأن الشيطان كان مغلولاً عنه فلم يزيّن له المعصية، والنفس وحدها من دون تزيين لا تتوجه نحو الفعل.
ولكي اوضح مدخلية التزيين اشير الى حالة معروفة لدى الكثيرين، مثلاً رجل عنده زوجة ولا يشعر بإثارة نحوها وقد يكون في بداية زواجه منها، لكنه يقع في هوى امرأة أجنبية اخرى وهو يعترف بأن زوجته قد تكون أجمل والطف وأرق مشاعر ومتحببة ومتوددة اليه ونحو ذلك، فلماذا هذا التناقض في الميول؟ والجواب انه تزيين الشيطان للثانية دون الاولى لأنـه يريـد أن يوقــع الانســان فــي
المعصية ويخرّب بيت الزوجية المبارك الذي ما بُني بناء في الاسلام مثله.
ولا بد أن نشير الى أن هذا الالتفات الاعتقادي القلبي وحده لا يكفي ما لم يقترن بالعمل قال تعالى مبينا علة استحقاق يوسف × لهذه المراتب السامية (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (يوسف22) وقال تعالى على نحو القاعدة العامة، ولا تختص بالمعصومين (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) (النحل128).
([1] ) كلمة سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) مع جمع كبير من طلبة الجامعات الذين يقضون العشر الاواخر من شهر رمضان في النجف الاشرف عندما زارهم الى مقر اقامتهم يوم الاثنين 26/رمضان/1436 المصادف 13/7/2015.
([2] ) حكى هذا الرأي عن كثيرين كالسيد المرتضى في (تنزيه الانبياء/78) قال “وأما همّه فما طبع عليه الرجال من شهوة النساء” وتبعه على ذلك الشيخ الطوسي + فإنه ذكر للهم عدّة معاني منها العزم ومنها الإخطار ومنها الشهوة وميل الطباع” ثم قال “وإذا احتمل الهم هذه الوجوه نفينا عنه × العزم على القبيح وأجزنا باقي الوجوه لأن كل واحد منها يليق بحاله (التبيان 6/121)” وقال مثله ابن إدريس في (منتخب التبيان:2/22-23) وقال الطبرسي في (مجمع البيان: ج5-6/354): “ثالثها أن معنى قوله (همّ بها) اشتهاها ومال طبعه الى ما دعته اليه” ثم قال “وقد يجوز أن تسمى الشهوة هماً على سبيل التوسع والمجاز ولا قبح في الشهوة لأنها من فعل الله تعالى” وقال به آخرون ومنهم العلامة المجلسي + قال من ضمن كلام له “فالهم عبارة عن جواذب الطبيعة، ورؤية البرهان عبارة عن جواذب العبودية” (بحار الانوار: 12/332)، وقال الملا صدرا في تفسيره “والبرهان هو ما عنده من الصوارف العقلية الزاجرة للنفس عن فعل القبيح، أو المراد من (الهم) الميل الشهوي الحيواني الموجود في الطبائع البشرية ولولا الزاجر الشرعي لما انتهى عن كل ما يمكنه من القبائح، ولولا المعرفة الكاملة للقوة العقلية المنورة بحقيقة التقوى لوقع منه فعل ما لا ينبغي أحياناً، وليس المراد الهم بالمعصية والقصد اليها…..” وقيل هو من باب المشارفة أي شارف أن يهم) (تفسير القران الكريم: 3/119 و 6/267-268)، وقال مثله البيضاوي في تفسيره وقال صاحب “في ظلال القران” (فذكر -القران- طرفي الموقف بين الاعتصام في أوله والاعتصام في نهايته مع الإلمام بلحظة الضعف بينهما، ليكتمل الصدق والواقعية والجو النظيف جميعاً وهو أقرب الى الطبيعة البشرية والى العصمة النبوية، وما كان يوسف سوى بشر، نعم إنه بشر مختار، ومن ثم لم يتجاوز همه الميل النفسي في لحظة من اللحظات، فلما رأى برهان ربه الذي نبض في ضميره وقلبه بعد اللحظة الطارئة عاد الى الاعتصام والتأبي) (في ظلال القران: مج4/712) أقول: لم يغب عن الصديق يوسف × برهان ربه حتى يعود اليه ونقل عن الزمخشري في الكشاف “فإن قلت: كيف جاز على نبي الله أن يكون منه هم بالمعصية وقصد اليها، قلت: المراد أن نفسه مالت الى المخالطة، ونازعت اليها عن شهوة الشباب و…… ميلا يشبه الهم به والقصد اليه، وكما تقتضيه صورة تلك الحال التي تكاد تذهب بالعقول والعزائم وهو يكسر ما به ويردّه النظر في برهان الله”.
([3] ) قال تعالى (قل إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إلي) (الكهف110) (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ) (إبراهيم11).
([4] ) عيون اخبار الرضا: باب مجلس آخر للرضا × عند المأمون في عصمة الانبياء.
([5] ) وقد اعترفت زوجة العزيز بأن الهم حصل منها وحدّها (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ) يوسف32.
([6] ) باعتبار أن اللام للقسم فالمعنى أقسم لقد همت به لقضاء وطرها.
([7] ) الميزان في تفسير القران: 11/131 وقد نقل في 11/138 هذا المعنى عن الزمخشري في كشافه.
([8] ) الميزان في تفسير القران. 11/126.
([9] ) الميزان في تفسير القران: 11/125.
([10] ) بحار الانوار: 12/335.
([11] ) الميزان: 11/127.
([12] ) الميزان: 11/123.
([13] ) تفسير مواهب الواهب 2: 36. وكذا في كتاب علم اليقين: 1/49.