وصف مصحف أُبي بن كعب
كان ترتيب مصحف اُبي قريبًا من مصحف ابن مسعود، غير أنّه قدّم سورة الأنفال، وجعلها بعد سورة يونس وقبل سورة براءة. وقدّم سورة مريم والشعراء والحج على سورة يوسف. وهكذا ممّا سيتبيّن في الجدول الآتي.
وقد اشتمل مصحفه على مائة وخمس عشر سورة. جعل سورتي الفيل وقريش سورة واحدة. وزداد سورتي الخلع والحفد، وسنذكرهما.
وكان مصحفه مفتتحًا بسورة الحمد، ومختتما بالمعوذتين، كمصحفنا اليوم(1).
جهة أخرى: اشتمال مصحفه على دعاءي القنوت، باعتبارهما سورتين فيما زعم. أمّا الخلع فهي: (بسم الله الرحمان الرحيم. اللهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير. ولا نكفرك. ونخلع ونترك من يفجرك).
وأمّا الحفد فهي: (بسم الله الرحمن الرحمان الرحيم. اللهمّ إيّاك نعبد ولك نصلّي ونسجد. وإليك نسعى ونحفد. نخشى عذابك ونرجو رحمتك. إنَّ عذابك بالكفّار ملحق)(2).
جهة ثالثة: كان قد ترك البسملة بين سورتي الفيل وقريش، باعتبارهما سورة واحدة(3) وقد ورد في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) أيضًا: أنّهما سورة واحدة، ولكن مع فصل البسملة بينهما. فإذا قرأ المصلّي: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ﴾ يجب أن يقرأ معها: ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ﴾. فمهما سورة واحدة قراءة ولكنّهما سورتان ثبتًا، على عكس ما في مصحف اُبي.
روى العياشي عن أبي العباس عن أحدهما (الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام) قال: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ، ولِإِيلَافِ قُرَيْشٍ، سورة واحدة(4).
وهكذا روينا بشأن سورتي الضحى والانشراح: أنّهما سورة واحدة(5).
وقد أفتى بذلك علماؤنا الأعلام. قال المحقّق الحلي (قدّس سره): روى أصحابنا أنّ الضحى وألم نشرح سورة واحدة: وكذا الفيل ولايلاف. ولا يجوز إفراد إحداهما عن صاحبتها في كلّ ركعة(6).
وفي مجمع البيان: روى أنّ اُبي بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه(7).
جهة رابعة: كان افتتح سورة الزمر في مصحفه بـ ((حم)). فيكون عدد الحواميم عنده ثمانية. أخرجه ابن اشتة في كتاب المصاحف، قال: ثم الزمر أوّلها حم(8).
جهة خامسة: اختلاف قراءته مع النّص المشهور على نحو اختلاف قراءة ابن مسعود، وإليك نماذج من قراءاته الشاذّة:
قرأ: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن هبنا مِن مَّرْقَدِنَا﴾ بدل ﴿مَن بَعَثَنَا﴾(9).
وقرأ: ﴿كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مرّوا فيه﴾. وقرأ -أيضًا-: ﴿سعوا فيه﴾ بدل ﴿مَّشَوْاْ فِيهِ﴾(10).
وقرأ: ﴿فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ (متتابعات) فِي الْحَجِّ﴾(11). نظرًا لأنّه يجب التتابع فيها، فأوضحها بهذه الزيادة!
وقرأ: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ (إلى أجل مسمى) فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾(12) للتنصيص على إنّها متعة النكاح.
وقرأ: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا (من نفسي فكيف اُظهركم عليها)﴾(13). شرح وتفسير الآية.
وقرأ: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ (ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام) فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾(14).
وفيما يلي جدول يقارن بين مصاحف السلف وترتيب مصحفنا اليوم. أخذناه من نصّ ابن اشتة(15). وأكملنا سقطاته على نصّ ابن النديم. وأرمزنا له بعلامة (ن) واعتمد هذا الأخير على رواية الفضل بن شاذان، اعتمادًا يرجّحه على ما شاهده بنفسه. قال: رأيت عدة مصاحف ذكر نسّاخها أنّها مصحف عبد الله بن مسعود، ليس فيها مصحفان متّفقان. وأكثرها في رقّ كثير النسخ. وقد رأيت مصحفًا قد كتب منذ نحو مائتي سنة فيه فاتحة الكتاب. والفضل بن شاذان أحد الأئمة في القرآن والروايات، فلذلك ذكرنا ما قاله دون ما شهدناه(16).
المصدر:
كتاب التمهيد في علوم القرآن، سماحة الشيخ محمد هادي معرفة
1– الإتقان: ج1/ص64 و 65.
2– الإتقان: ج1/ص65.
3– نفس المصدر.
4– راجع المسائل الشعة: باب 10 من أبواب القراءة في الصلاة ج4/ص744/ح6 و ج4/ص743/ح3.
5– راجع المسائل الشعة: باب 10 من أبواب القراءة في الصلاة ج4/ص744/ح6 و ج4/ص743/ح3.
6– راجع جواهر الكلام: ج10/ص20.
7– مجمع البيان: ج10/ص544
8– الإتقان: ج1 ص64.
9– يس/52. مجمع البيان: ج8/ص428.
10– البقرة/20. الإتقان: ج1/ص47.
11– البقرة/196. الكشاف: ج1/ص242.
12– النساء/24. جامع البيان: ج5/ص9.
13– طه/15. تأويل مشكل القرآن: ص25.
14– الفتح/26. عبقات الأنوار -طبعة الهند- مجلد حديث مدينة العلم: ص518.
15– الإتقان: ج1/ص64.
16– الفهرست: ص46