عليٌّ رأسُ المؤمنين وأميرهم ولبُّ لبابِهم
السوال:
وردَ من طُرقِ الفريقينِ عن الرسولِ (ص)- انَّه قال: “ما أنزلَ اللهُ آيةً فيها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ إلا وعليٌّ رأسُها وأميرُها”(1) وفي رواية: “إلا وعليٌّ أميرُها وشريفُها”(2) ومن طريقٍ آخر عن حذيفةَ: “إلَّا كان عليٌّ لبُّها ولبابُها”(3).
وقد نقضَ بعضُهم على هذه المنقبةِ بقولِه إنَّ عدداً من الآياتِ التي بدأتْ بقولِه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ كانت في سياقِ الذمِّ كقولِه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾(4)، وقولِه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾(5) وقولِه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾(6) فكيفَ تَستقيمُ هذه الكلِّيةُ المذكورةُ في الرواياتِ؟
الجواب:
إنَّ المرادَ من هذه الرواياتِ هو بيانُ أنَّ عليَّاً (ع) هو أفضلُ من مُدحَ في القرآنِ بالذين آمنوا، فالخطابُ في القرآنِ بقولِه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ مدحٌ للمخاطَبين بأنَّهم آمنوا، ولذلك يجدُ المتلقِّي للخطابِ فرقاً بينَ قولِه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ وقولِه: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ﴾ وبين قولِه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ فالخطابانِ الأولانِ نداءٌ للمخاطَبين بعناوينِهم، وأمَّا في الخطابِ الآخر فهو نداءٌ بوصفٍ محمودٍ وهو الإيمانُ، فقولُه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ مدحٌ للمخاطَبين بهذا الوصفِ كما انَّ قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ذمٌّ للمخاطَبين بأنَّهم كفروا، ومفادُ الرواياتِ المذكورةِ أنَّ الممدوحينَ بالإيمانِ في قولِه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ متفاوتونَ في المرتبةِ والفضلِ، وأفضلُ الممدوحينَ بالإيمانِ في هذه الآياتِ هو عليُّ بنُ أبي طالبٍ (ع).
وأمَّا دعوى أنَّ بعضَ هذه الآياتِ جاءتْ في سياقِ الذمِّ فليسَ صحيحاً، فإنَّ الآياتِ المذكورةِ وكذلك غيرَها ليستْ مسوقةً للذمِّ، وإنَّما هي بصددِ التحذيرِ أو التنبيهِ أو الأمرِ أو النهيِ، والتحذيرُ والتنبيهُ ليس ذمَّاً وكذلك الأمرُ والنهيُ، ولو كان التنبيهُ أو التحذيرُ ذمَّاً لكانَ قولُه تعالى للنبيِّ الكريم (ص)-: ﴿يأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾(7) ذمَّاً للنبيِّ (ص)-، وكذلك قولُه تعالى للنبيِّ (ص)-: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾(8) فهل يصحُّ القولُ بأنَّ خطابَ اللهِ تعالى للنبيِّ (ص)- بقوله: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ ذمٌّ للنبيِّ (ص)-؟!!
هذا أولاً وثانياً: إنَّ الرواياتِ التي أفادتْ أنَّ عليَّاً (ع) هو رأسُ المخاطَبين بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ وأميرُهم وشريفُهم ولبُّ لبابِهم، إنَّ هذه الرواياتِ بصددِ بيانِ أنَّ الإمامَ عليَّاً (ع) هو أفضلُ المخاطَبين بهذا المدحِ بقطعِ النظرِ عن طبيعةِ الخطابِ والغرضِ من سَوْقِه، فهي تتحدَّثُ عن المخاطَبين وموقعِ عليٍّ (ع) بينهم ولا تتحدَّثُ عن طبيعةِ الخطابِ الذي خُوطِبَ به هؤلاءِ الممدوحونَ بالإيمان، فالمخاطبونَ في كلِّ الآياتِ ممدوحونَ بالإيمانِ، والتفاوتُ بينَ الآياتِ إنَّما هو في طبيعةِ الخطابِ وغرضِه، واختلافُ غرضِ الخطابِ ولحْنِه لا ينفي المدحَ عن المخاطَبِ، فلو قِيلَ: يا أيُّها العالمُ إيَّاك والخلودَ للدنيا، فغرض الخطابِ هو التحذيرِ ولكنَّه لا ينفي أن المتكلمَ قد مدحَ المخاطَبَ بالعالميَّة، ولهذا يجدُ السامع لهذا الخطابَ فرقاً بينَه وبينَ ما لو قال له: يا زيدٌ إيَّاكَ والخلودَ إلى الدنيا، ففي الأول خاطَبه بنعتٍ ممدوح، وفي الثاني خاطَبه بعنوانه، وكذلك فإنَّ السامعَ يجدُ فرقاً بين نداءِ المخاطَبِ بعنوانه وندائه بوصفِ الجاهلِ فإنَّه خاطبَه بنعتٍ مذموم.
فأيَّاً كان غرضُ الخطابِ ولحنُه وسياقُه فإنَّه لا يمنعُ من صدقِ المدحِ فيما لو تصدَّر الخطابُ بنداءِ المخاطبِ بنعتٍ محمودٍ.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
1– الغدير ? الشيخ الأميني ج8 ص88
2– مناقب آل أبي طالب ? ابن شهرآشوب ? ج2 ص252.
3– مناقب آل أبي طالب ? ابن شهرآشوب ? ج2 ص252.
4– سورة المائدة الآية/54.
5– سورة المائدة الآية/101.
6– سورة التغابن الآية/14.
7– سورة الأحزاب الآية/1.
8– سورة الزمر الآية/65.