لماذا رحمة الله قريب وليس قريبة؟
السؤال:
لماذا قال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ بدلاً من قريبة؟
الجواب:
ذكر علماء اللغة لذلك وجوهاً عديدة أذكرُ منها أربعة:
الوجه الأول: إنَّ كلمة قريب في الآية صفةٌ لموصوف مذكَّرٍ مقدَّر، فتقدير الآية هو إنَّ رحمة الله أمرٌ قريبٌ أو شيءٌ قريبٌ من المحسنين، فقريبٌ ليست عائدةً على الرحمة حتى تُؤنَّث وإنَّما هي صفة لمثل كلمة أمر أو شيء.
الوجه الثاني: إنَّ المراد من الرحمة هي الإحسان أو الإنعام أو الغفران أو الثواب، فكلمة قريب ترجعُ إلى المعنى المراد من الرحمة، وحيثُ إنَّ هذا المعنى مذكَّر لذلك تمَّ تذكير كلمة قريب، فمعنى الآية إنَّ احسان الله قريب من المحسنين، فكلمة قريب عائد على المعنى المُتضمَّن في الرحمة، وليس عائداً على لفظ الرحمة، ولذلك تمَّ تذكيرُه ولم يُؤنَّث.
الوجه الثالث: إنَّ كلمة الرحمة ليست مؤنثاً حقيقيَّاً وإنَّما هي مؤنثٌ لفظيٌّ، والمؤنَّث اللفظيُّ غير الحقيقي يجوز تذكيرُه وتأنيثُه على حدٍّ سواء. ولذلك نُسب للخليل ابن أحمد الفراهيدي القول: ” كلُّ ما لا روحَ فيه فأنت في تأنيثِه وتذكيره بالخيار” فالذي له روحٌ هو مثل أنثى الإنسان وإنثى الحيوان، فهذا مؤنَّثٌ حقيقي، وأما مثل الرحمة فتأنيثها لفظيُّ مجازي ولهذا يجوز أنْ يحمل عليه اللفظ المذكَّر والمؤنث، فيقال: رحمةٌ قريبٌ ورحمةٌ قريبةٌ.
الوجه الرابع: إنَّ القريب تارةً يكون بمعنى قرابة النسب، فإذا كان كذلك فإنَّه يُؤنَّث إذا حمل على المؤنَّث، فيقال إمرأة قريبةٌ أي من حيثُ النسب، وتارةً يكون القريب بمعنى المسافة، فإذا كان كذلك جاز تذكيرُه وتأنيثه فيصحُّ أن يُقال إمرأة قريب مني أي من حيثُ المكان، نُسب هذا القول للفرَّاء وادَّعى عدم الخلاف في ذلك(1).
وأفاد الزبيدي في تاج العروس وغيرُه انَّ كلمة قريب من حيث المكان: “يستوِي في الذَّكَر ِوالأُنْثَى والفَرْدِ والجميعِ، كقولك: هو قريبُ، وهي قريبُ، وهمْ قريبُ، وهُنَّ قريبُ”. ونقل عن ابن السِّكِّيتِ أنَّ العَرَبَ تقول: هو قريبُ منِّي وهُمَا قريبُ منِّي وهُمْ قريبُ منِّي، وكذلك المؤنَّث: هي قريبُ منِّي، وهي بَعِيدُ منِّي، وهُمَا بعيدُ، وهُنَّ بعيدُ مِنِّي وقَرِيبُ، فتوَحِّدُ قريباً وتذَكِّرُه”(2).
وقيل إنَّ منشأ تذكير قريب الذي يتضمَّن معنى المكان هو انَّ معنى قولهم مثلاً، هند قريبٌ منِّي هو انَّ موضعها قريب، ولذلك تحتفظ كلمة قريب بالتذكير والإفراد في جميع الصور فيقال: هو قريب، وهي قريب، وهما قريب، وهم قريب، وهنَّ قريب، فقريب في جميع الصور يعود على الموضع والمكان.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1-ج3 ص 306.
2-ج3 ص 307.