قوله تعالى: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾ طلب أو إستفهام؟
المسألة:
قوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾(1)، فهل كانت عبارة ابراهيم (ع) ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾ بصيغة الطلب أم الأستفهام؟ وما هو تفسير ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾؟
الجواب:
هو طلب وليس استفهاماً، فمعنى قوله تعالى: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾ هو (اجعل من ذريتي من يُؤتم به) وهو ما إستظهره أكثر المفسرين كما أفاد ذلك الشيخ الطوسي (رحمه الله) في التبيان(2).
ويمكن تأييد ذلك بالعديد من الروايات الواردة عن الرسول (ص) وأهل بيته (ع):
منها: ما رواه الشيخ الطوسي في الأمالي بسنده عن عبدالله بن مسعود قال: “قال رسول الله (ص): أنا دعوة أبي إبراهيم. فقلنا: يا رسول الله، وكيف صرت دعوة أبيك إبراهيم؟ قال: أوحى الله عز وجل إلى إبراهيم أني جاعلك للناس إماماً، فاستخفَّ إبراهيم الفرح، فقال: يا رب، ومن ذريتي أئمة مثلي، فأوحى الله عز وجل إليه: أن يا إبراهيم، إنِّي لا أُعطيك عهدًا لا أفي لك به. قال: يا ربِّ، ما العهد الذي لا تفي لي به؟ قال: لا أُعطيك لظالمٍ من ذريتك. قال: يا ربِّ، ومَن الظالم من ولدي الذي لا ينال عهدك؟ قال: من سجد لصنمٍ من دوني لا أجعله إماماً أبداً، ولا يصح أن يكون إماماً. قال إبراهيم: “واجنبني وبني أن نعبد الأصنام، ربَّ إنهن أضللن كثيراً من الناس”. قال النبيُّ (ص): فانتهت الدعوة إليَّ وإلى أخي عليًّ لم يسجد أحد منَّا لصنمٍ قط، فاتخذني الله نبَّياً، وعليَّاً وصياً”(3).
فهذه الرواية ظاهرةٌ جداً في أنَّ قوله: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾ كان دعاءً وطلباً ولم يكن استفهاماً فحينما قال إبراهيم: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾ كان الجواب من قِبل الله تعالى -بحسب الرواية- أني “لا أُعطيك عهداً” أي لا أَعِدك بالإستجابة في كل ذريتك، وهذا تعبير عن أن قول إبراهيم: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾ كان دعاءً لأنَّ ذلك هو المناسب للجواب الذي تلقَّاه بالوحي عن الله تعالى.
وأما المراد من قوله تعالى: ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ فهو انّ الإستخلاف والإمامة لا تُعطى من قِبل الله تعالى للظالمين، والظالم هو من يتجاوز الحقَّ الذي عليه لله تعالى أو للناس ومقتضى ذلك أنَّ الإمامة الإلهيَّة لا تكون إلا للمعصوم من كلِّ ذنب، لأنَّ مَن يرتكب المعصية ظالم لربَّه ومتجاوزٌ للحقِّ الإلهيِّ الذي عليه وهو الطاعة المطلقة لله جلَّ وعلا، وكذلك من يتعدَّى على حقَّ غيره من الناس وإنْ كان ذلك الحقُّ مُستحقَراً فإنَّه يكون ظالماً.
فكلُّ من صدر منه الظلم ولو بأدنى مراتبه فإنَّه لا يكون مؤهلاً للإمامة الإلهيَّة لأنَّ الظالمين لا تنالهم الإمامة بمقتضى الآية الشريفة.
ثم إنَّ الآية الشريفة تدلُّ على أن كلَّ من تلبَّسَ بالظلم آناً مّا فإنَّه لا يستحقُّ الإمامة الإلهيَّة مطلقاً ولإتضاح ذلك لاحظ ما ذكرناه في مقالنا ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ قسم المقالات العقائدية.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1– سورة البقرة آية رقم 124.
2– التبيان -الشيخ الطوسي- ج1 ص447.
3– الأمالي -الشيخ الطوسي- ص379.