هل للحيوان عقل
المسألة:
هل الحيوان له نسبة من العقل؟ أو يتحرك من غريزةٍ وهل الله سبحانه وتعالى يقتصُّ من الحيوانات, أي هل هناك حساب لهم؟
الجواب:
الحيوان له مستوىً من الإدراك يتناسب مع مستوى وجوده وطبيعة الوظيفة التكوينية التي أناطها الله تعالى به إلا انَّ هذه المرتبة من الإدراك لا تُصحِّح تكليفه ومجازاته على ما تصدر عنه من أفعال، نعم الثابت انَّ الحيوانات تعبد الله تعالى وتسبِّحه بالنحو المناسب لشأنها وإدراكها.
يقول تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾(1) ويؤيد ما ذكرناه من انَّ للحيوانات مستوىً من الإدراك:
قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾(2) فهي قد أدركت انَّ خطرًا يُداهمهم وانَّه قادم من جهة نبيِّ الله سليمان (ع) وجنوده.
وأصرح من هذه الآية المباركة قوله تعالى: ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾(3) فسليمانُ (ع) ينتظر من الهدهد سلطانًا وبرهانًا على تغيُّبه ثم انَّ الهدهد كان يُدرك موردَ اهتمام سليمان (ع) وهي عبوديَّة الله تعالى، وقد أفادت الآيات انَّ الهدهد أدرك بأنَّ سبأ تملكها امرأة، وانَّ مُلكها كان واسعًا وانَّ لها عرشًا عظيمًا، وانَّها وقومها يعبدون الشمس، وأفادت الآيات انَّ سليمان (ع) كلَّف الهدهد بالتعرُّف على ما ينتهى إليه أمرهم وقرارهم بعد ملاحظة الكتاب الذي بعثه إليهم بواسطته، وكلُّ ذلك يعبِّر عن انَّ للطير إدراكًا هي منشأ بعض ما يصدر عنه من أفعال وإنْ كان الإنسان لا يفقه الكثير من مناشئ أفعال الطير، فليس كلُّ ما يصدر عنه ناشئًا عمَّا أودعه الله فيه من غريزة.
نعم قد يقال: إنَّ صدور ذلك من الهدهد كان على وجه الاعجاز فلا تصلح الآيات المذكورة مؤيِّداً لدعوى انَّ لمطلق الحيوان مستوىً من الإدارك إلا انَّه لو تمَّ لك فإنَّ قوله تعالى: ﴿عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ﴾(4) مشعرٌ بأنَّ لمطلق الطير والحيوان مستوىً من الإدراك، إذ انَّ الظاهر من عنوان المنطق هو ما يتم التعبير به عن المقصد والمراد الكامن في النفس وهو ما يلازم الإدراك وانْ كان أدنى مما عليه الهدهد، ويؤيِّد ذلك ما نجده من أفعال الحيوانات والطيور، فليس كلُّ ما يصدر عنها يكون ناشئاً عن مقتضى الطبيعة الفاقدة لمطلق الشعور، نعم نحن لا ندرك مقاصد أفعالها وأصواتها إلا انَّ من المُحرَز انَّ لبعض هذه الافعال مقاصد كامنة في نفسها، غايته انَّنا لا ندركها.
وهذا هو ما يميِّز سليمان النبي (ع) عن سائر الناس كما أفاد تعالى في قوله على لسان سليمان ﴿عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ﴾(5) فمعرفةُ ما تقتضيه طبيعة الغرائز المودَعة في الطيور والحيوانات أمرٌ متاح لكلِّ من تتبع أحوال الحيوانات ولاحَظَ بإمعانٍ أطوارها، وأما الوقوف على ما هو منطقها فلا يُتاح إلا بتعليمٍ من الله جلَّ وعلا، ولذلك ورد عنَّ الرسول وأهل بيته (ﻉ) انهم قد عُلِّموا من قِبل الله تعالى منطق الطير والحيوان، وقد أُثر عنهم الكثير من المخاطبات للطيور والعجماوات.
فمن هذه الروايات ما رواه في بصائر الدرجات بسنده عن سليمان من ولد جعفر بن أبي طالب قال: (كنتُ مع أبي الحسن الرضا (ع) في حايطٍ له إذ جاء عصفور فوقع بين يديه وأخذ يصيح ويُكثر الصياح ويضطَّرب، فقال لي يا فلان أتدري ما تقول هذا العصفور قلتُ: الله ورسوله وابنُ رسوله أعلم قال: إنَّها تقول: إنَّ حيَّة تريد أكل فراخي في البيت، فقم فخذ تينك النبعة وادخل البيت واقتل الحيَّة، قال: فأخذتُ النبعة وهي العصا ودخلتُ البيت وإذا حيَّة تجول في البيت فقتلتُها)(6).
الشيخ محمد صنقور
1– سورة الإسراء آية رقم 44.
2– سورة النمل آية رقم 18.
3– سورة النمل آية رقم 20-28.
4– سورة النمل آية رقم 16.
5– سورة النمل آية رقم 16.
6– بصائر الدرجات – محمد بن الحسن الصفار – ص 365.